على أنقاض ٢٠٢٠
نقف اليوم على أنقاض سنة استثنائية في تاريخنا المعاصر، ننظر بذهول لكل ما فعله في حياتنا فيروس لا يمكن رؤيته بالمجهر العادي. كما نتطلع بأمل لسنة وليدة تبشر بالخلاص من هذه الجائحة التي لم توفر من تأثيراتها أحداً.
و رغم الخسائر البشرية والاقتصادية الهائلة للجائحة، إلا أننا في ظل التقدم المذهل في عالم التقنيات العلمية والطبية تمكنّا من انتاج لقاحات لفيروس جديد خلال أقل من سنة. مع الإشارة إلى أن السبب وراء هذه السرعة لا يكمن في نظرية المؤامرة، بل في التقدم السريع الذي يشهده العلم والقدرة على الاستفادة من التقنيات الحديثة والأبحاث السابقة، إضافة إلى المرونة في التشريعات والانفاق السخي من قبل الدول للوصول بالعالم إلى برّ الأمان.
كما ساعدت هذه الجائحة في تطور الصحة الرقمية والاستشارات الطبية عن طريق تطبيقات مكالمات الفيديو والهواتف الذكية لخدمة الكثير من المرضى وتخفيف العبء عن النظام الصحي. وأسهمت الجهود الهادفة لانتاج اللقاح لإعادة النظر في كفاءة العمل في مجال البحوث والتجارب السريرية والعقبات التشريعية والمادية التي تقف عائقاً أمام انتاج مختلف الأدوية واللقاحات ومواد التحاليل الطبية.
بجولة سريعة في عالم الطب والأبحاث بعيداً عن الكورونا، حقق الذكاء الاصطناعي قفزة نوعية في مجال الرعاية الصحية، خاصة لتحليل البيانات واستخدام الروبوتات في مجال التشخيص والقيام بالعمليات الجراحية .إضافة إلى تواصل العمل على تقنيات العلاج الجيني التي تبشر بعلاج لكثير من الأمراض الوراثية مثل أمراض السرطان والناعور والثلاسيميا، هذا عدا عن الثورة في مجال العلاج بالخلايا الجذعية لتعويض الأعضاء التالفة والمفقودة.
كما أن الأبحاث في مجال طب مكافحة الشيخوخة تشمل علاجات تبطىء من شيخوخة الخلايا، والغد القريب سيحمل الكثير من الحلول لتجديد الخلايا والتخلص من الخلايا الهرمة وتغيير الميكروبيوم والمعالجة الجينية وحقن الخلايا الجذعية لتجديد الأعضاء وعلاج أمراض الشيخوخة المختلفة.
و رغم القدرة على تحليل الخريطة الجينية للأفراد والتنبؤ بالاستعداد الوراثي للإصابة بالأمراض المختلفة، إلا أن الأبحاث في علم الإيبي جينتيك أظهرت حقيقة تأثر أغلب الجينات الوراثية بعوامل المحيط البيئي والغذائي وأسلوب الحياة. مما يعني أننا إلى حد كبير مسؤولون عن مستقبلنا الصحي.
إضافة إلى أهمية التقيد بالتباعد الاجتماعي والتعقيم للوقاية من انتشار العدوى،فإن جائحة الكورونا أثبتت أهمية اتباع أسلوب الحياة والتغذية الصحي للوقاية ليس فقط من الأمراض المزمنة كأمراض القلب والسكري والبدانة والشيخوخة المبكرة، بل أيضاً من الإصابة بأشكال خطيرة من مرض الكوفيد-١٩ الذي يصيب بآثاره المدمرة الفئات الأكثر خطورة في المجتمع.
وأخيراً أظهرت ظروف الجائحة أن التقدم في تقنيات الاتصال الحديثة سلاح ذو حدين، حيث أنها من سمح لفيروسات الأخبار المضللة بالانتشار الجائحي على الشبكة العنكبوتية. كما أثبتت أن التجهيل والتضليل الممنهج هو أكبر وباء علينا مواجهته وأن الإشاعات هي سلاح المضللين في محاربة العلم والمعلومة الصحيحة.