د.منى كيال

أخصائيــة في التشــخيـص
المخبـري والمايكروبيولوجي

نحو صحة وشباب وحيوية لا تعرف عمراً

عاداتنا الغذائية وموروثنا الشعبي

عاداتنا الغذائية وموروثنا الشعبي 

كنا أمةً لا تأكل حتى تجوع وصرنا أمة ليس لها من هدف تحققه إلا تأمين قوت يومها واشباع أفواه أبناءها.

شعوب العالم تأكل لتعيش ونحن شعب يعيش فقط ليأكل. وبما أن الطعام في عصرنا الحالي أصبح متوفراً في كل وقت تقريباً، لم يعد للأكل وقت، فما دام لدينا وقت فاننا نقضيه في الأكل أو التحضير للأكل.

ثقافة الأكل ومشاركته في مختلف الأنشطة والمناسبات موجود في كل الثقافات، لكن المبالغة وكثرة الأكل هي سمة العرب المميزة، فكثيراً ما يقتصر الاحتفال بعيد الميلاد في الغرب على نوع واحد من الطعام، بينما نعود من دعوة للعشاء لا نستطيع تذكر كل الأصناف التي قدمت لكثرتها.

مشكلتنا الكبيرة في العالم العربي هي الافراط في الأكل، فكل عاداتنا الاجتماعية ومناسباتنا تدور وتتمحور حول موضوع الطعام، وكأننا شعب فعلا خلق ليأكل، بل نحن نتغزل بالأكل ونتفنن في تصوير الموائد التي صارت تعج بصورها وسائل التواصل الاجتماعي.

واذا كان الطبخ هو عمل المرأة الرئيسي في بلادنا فالأكل هو هواية الرجل الرئيسية، وبالرغم من أن المطبخ الشرقي وخاصة السوري غني  وصحي بشكل عام، لكن عاداتنا الغذائية خاطئة ككثرة الأكل وعدم انتظام الوجبات والأكل لوقت متأخر وقلة الحركة.

يعود الرجل الشرقي متعباً من عمله كي يقضي ما تبقى من يومه في الأكل والشرب والراحة ومتابعة التلفزيون، فالعائلة السعيدة ليست تلك التي تجتمع على مائدة  العشاء لنصف ساعة في الساعة  السادسة مساء، بل هي التي تقضي سهرتها على برامج التلفزيون حتى وقت متأخر في الأكل والشرب.

الأكل عند شعوب العالم محدد بأوقات معينة كالفطور والغداء والعشاء، أما في بلادنا فالأكل يستمر على مساحة زمنية طويلة خاصة في المساء وقبل النوم.

ونظراً لأننا كشعب نفتقد لممارسة الهوايات المفيدة، فاننا غالبا ما نشترك في اتخاذ الأكل كهواية ، وحتى أن العادات الضارة في بعض المجتمعات العربية كشرب الكحول والتدخين تترافق  بالمازة وهي الأكل لساعات طويلة ولوقت متأخر.

أما رمضان شهر الصيام والقيام فحدث ولاحرج، فقد غدا شهراً للأكل ولتلبية الدعوات للسهر حتى مطلع الفجر وقضاء معظم ساعات النهار في النوم.

إن لموروثنا الشعبي دور كبير في عاداتنا الغذائية، فمثل (الأكل على قدر المحبة) تحض الضيف على كثرة الأكل، ومبدأ (ما بيصير تترك شي بصحنك) يعني تعويد الطفل أن يأكل حتى  التخمة، كما أن كلمة صحة  بالعامية مرادفة للبدانة، وتدأب أكثر السيدات على تسمين أبناءهن في صغرهم بدعوى أنها (صحة).

أما مثل ( الخبز الحاف بيعرض الكتاف)  فهو ينسف مبدأ ضرورة التوازن الغذائي، فقيمة الخبز الأبيض كرمز للنعمة والغذاء فقدَ بريقه علمياً مع كثرة الأبحاث التي تؤكد على مساوئ الطحين الأبيض والمعكرونة والسكريات البسيطة، على عكس التين والزيتون والرمان والنخل والعسل والزنجبيل وغيرها من الأغذية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم. اضافة الى  ذكر الحب والريحان، والحب هو الحبوب الكاملة والبقول و ليس الطحين الأبيض المعالج.

واذا تركنا موروثنا البائد وعدنا الى الجذور، نرى أننا كنا شعب لا يأكل حتى يجوع واذا أكل لا يشبع،  فالطعام  غذاء ونعمة، ومن حق هذه النعمة علينا أن نحافظ عليها بأن نستعملها لما هو خير لنا ولكي لا تتحول هذه النعمة الى نقمة.

ضع تعليقك هنا