د.منى كيال

أخصائيــة في التشــخيـص
المخبـري والمايكروبيولوجي

نحو صحة وشباب وحيوية لا تعرف عمراً

الجراثيم التي تسكننا

يتكون جسم الانسان من أعضاء مختلفة، إحدى أكبر هذه الأعضاء هي الكتلة الجرثومية التي تعيش داخل الجسم وخاصة في الأمعاء وتساوي كتلتها مجتمعة كتلة الدماغ. نعم إنها كتلة ملايين بل مليارات الكائنات المجهرية الصغيرة التي لو وزنت لتجاوز وزنها 1.5كغ.

فالانسان ليس الكائن الحي الوحيد في هذا الجسم البشري، بل نحن نعيش خلال حياتنا في حالة توازن مع هذا المجتمع الجرثومي الكبير وهذا التوازن له دور كبيرعلى صحتنا ومناعتنا.

يسكن جسدنا حوالي١٠٠ بليون خلية جرثومية وهذا العدد يزيد كثيراً عن عدد الخلايا البشرية في الجسم ولو وجدت كائنات فضائية أكثر ذكاء لترصدنا فلربما وصفت الانسان على أنه مجموعة هائلة من الميكروبات التي تتغذى على مجموعة من الخلايا البشرية وتؤثر في وظائفها!

هذه الميكروبات ليست عدواً أو مرضاً أو طفيليات تسبب لنا الضرر بل هي مجتمع يعيش ويتعايش معنا ويشاركنا حياتنا وغذائنا وله دور في الاستقلاب والمناعة وعملية الهضم والوقاية من الالتهابات، كما أنها تصنع بعض الفيتامينات الضرورية للجسم كالفيتامين ك وفيتامين ب١٢.

وإضافة لهذه الوظائف المعروفة كثر الحديث في الأوساط الطبية في الآونة الأخيرة عن الدور الهام الذي تلعبه الفلورا المعوية أي الجراثيم التي تعيش بشكل طبيعي في الأمعاء في الوقاية من الأمراض أو على العكس في حدوث الكثير من الأمراض بما فيها الأمراض التي أصبح يطلق عليها اسم أمراض العصر مثل الأكزيما البنيوية وحالات التحسس الغذائي والأمراض النفسية والسكري والبدانة.

يمكن تعديل تركيبة هذه الميكروبات المعوية عن طريق تغيير نمط التغذية وتناول الأطعمة الغنية بالجراثيم المفيدة كاللبن الرائب وبعض المخللات أو تناول البروبيوتيك (Probiotic) أي الأقراص الحاوية على الجراثيم اللبنية والبيفيدو باكتر وغيرها. ويمكن لهذه التغييرات أن تفيد في تخفيف العمليات الالتهابية في الجسم وتعديل وتنظيم جهاز المناعة وتعزيز صحة الجهاز الهضمي وعلاج البدانة حتى أنه يعتقد أن لها أيضا دور في تصرفات ومزاج الانسان.

الجراثيم المعوية والبدانة:

استطاع الباحثون تحريض التغيرات الاستقلابية عند حيوانات المختبر وذلك بالقضاء على الباكتريا اللبنية وأنواع أخرى معينة من الباكتريا المفيدة مما أدى الى البدانة عند الفئران، كما تؤكد تجارب مماثلة أجريت على البشر أن نقل مزيج من البكتيريا مأخوذ من براز شخص سليم ونحيف الى شخص يشكو من البدانة ساعد على انقاص الوزن.

ويعتقد أن الأطعمة المصنعة والملونات الغذائية والسكر والمحليات الاصطناعية تدمر بكتيريا الأمعاء المفيدة وربما يكون هذا هو الآلية الرئيسية التي من خلالها تسبب هذه الأطعمة السمنة.

كما وجد أن هناك جراثيم معوية تدعى موسينيفيلا muciniphila يعتقد أنها تساعد على الوقاية من السمنة والسكري وأمراض القلب عن طريق خفض سكر الدم وتحسين حساسية الأنسولين وتعزيز التوزع الصحيح للدهون في الجسم ويرتبط وجود هذه الباكتريا المفيدة مع اتباع نظام غذائي غني بالألياف وكما هو معروف التأثير الايجابي للألياف الغذائية على الصحة والوزن الصحي.

تقنية نقل الباكتريا

رغم أن الحديث عن نقل البراز من شخص سليم الى شخص مريض مثيرة للقرف الا أنها تحمل معها حلولا لأمراض مختلفة وقد بدأ بالفعل استخدام هذه التقنية وأصبح هناك معايير معينة وفحوصات سلامة للمتبرعين بالبراز.
ولقد بدأ استعمال هذه التقنية في علاج الحالات المعندة على العلاج عند المصابين بالتهاب الكولون بجرثومة المطثيات العسيرة (Clostridium Difficile ) والتي تسبب إسهالات خطيرة وتنجم عن الاستخدام الطويل للصادات الحيوية التي تقضي على الجراثيم المعوية المفيدة مما يؤهب للاصابة بهذه الجراثيم الخطيرة.

مشروع الميكروبيوم البشري : Human Microbiome Project

بدأ المشروع في عام 2008 لدراسة التركيبة الجينية الغنية جدا لمليارات الجراثيم المستوطنة في الفندق البشري ولفهم أفضل لدور هذه الجراثيم في صحة ومرض الإنسان.

الميكروبيوم هو المجموع الجيني للجراثيم التي تسكننا أي مجموع ال DNA لكل الجراثيم المتواجدة في الجسم مجتمعة ونظراً لغنى الجسم بأنواع الجراثيم والتي تحمل أنواع مختلفة من الجينات الوراثية نحصل على تنوع جيني كبير جداً.

بعد الانتهاء من مشروع الجينوم البشري الذي كان يعد بأمل كبير للتخلص من أمراض البشرية كلها تبين أن جيناتنا ماهي الا جزء صغير من بحر الجينات الذي نعيش فيه والذي يتشكل معظمه من جينات هذه الكائنات المجهرية التي تسكننا.

جيناتنا البشرية مسؤولة فقط عن ١٠ بالمئة من الأمراض التي تصيب الانسان أما نسبة ال٩٠ في المائة الباقية فهي ناتجة عن العوامل البيئية ويعتقد أن الميكروبيوم هو أحد أهم هذه العوامل.

وفي المستقبل القريب سيكون بالامكان عن طريق تحليل عينة براز الحصول على التركيبة الجينية الجرثومية المفصلة للأشخاص والتي بفضلها سيكون بالامكان تشخيص وعلاج الكثير من الحالات المرضية.

ضع تعليقك هنا