كانت مكافحة السمنة ولسنين طويلة تعتمد على الموازنة بين كمية السعرات الحرارية المتناولة وكمية الطاقة التي يحرقها الجسم للقيام بوظائفه المتعددة، وذلك بغض النظر عن أنواع المأكولات المتناولة.
وكانت أصابع الإتهام تتجه للدهون, كونها تحتوي على قدر أكبر من الوحدات الحرارية مقارنة بالكربوهيدرات. فانتشرت بشكل كبير الأطعمة منزوعة الدسم والدهون المهدرجة والأدوية الخافضة للدهون. ومع ذلك فان نسبة الإصابة بالسمنة وأمراض القلب والأوعية كانت في ازدياد مستمر.
في مجال الأبحاث حول مسببات السمنة والسكري من النمط الثاني، تظهر المقاومة للأنسولين كأحد أهم المتهمين في هذه القضية الشائكة.
وبحسب نتائج أبحاث مطولة في مجال العلاقة بين الانسولين والسمنة، فإن تناول كميات كبيرة من الكربوهيدرات البسيطة يسبب تغيرات هرمونية تسرع من عملية تخزين الطاقة المتناولة في النسيج الشحمي، مما يتسبب بسرعة انخفاض نسبة السكر في الدم وسرعة الشعور بالجوع والحاجة لتناول المزيد من السكر والافراط في تناول الطعام، بل والادمان على السكر.
إن نموذج الأنسولين للسمنة هو أحد أسباب السمنة الأكثر شيوعاً، والذي يمكن تشخيصه بعمل تحاليل مخبرية للأنسولين والغلوكوز وحساب مؤشر المقاومة للأنسولين، والذي تبعاً لقيمته يستطيع أخصائيو التغذية وصف نظام غذائي مناسب لانقاص الوزن وتحسين مستوى ضغط الدم والغلوكوز والشحوم في الدم.
..
المقاومة للانسولين
عندما تتناول وجبة حاوية على الكربوهيدرات فان مستوى السكر في الدم يرتفع بعد الوجبة، فيقوم البنكرياس بافراز هرمون الانسولين لضبط مستوى سكر الدم وعودته للطبيعي.
عند الأشخاص الذين يتناولون طعاماً غنياً بالسكريات والنشويات البسيطة وبشكل متكرر خلال النهار، فان كمية الانسولين التي يجب أن يفرزها البنكرياس في كل مرة تكون كبيرة كي يعدل مستوى سكر الدم.
وخلال النهار يتناوب ارتفاع وانخفاض سكر الدم بشكل حاد لمرات عديدة، مما يسبب الجوع وتغيرات المزاج والرغبة الشديدة في تناول السكريات البسيطة.
ومع تكرار هذه العملية وتقدم العمر وبسبب اتباع أسلوب التغذية الخاطئ ونقص الحركة، تحدث حالة تسمى المقاومة للانسولين، وهي حالة من ارتفاع الانسولين المستمر في الدم يقابلها ضعف في استجابة الأنسجة له، وبالتالي صعوبة في خفض سكر الدم للحد الطبيعي وضرورة افراز كمية أكبر من الانسولين، وهكذا..
هذه الحالة تسمى المقاومة للأنسولين، حيث يفرز الجسم كميات كبيرة منه لكن فعالية الانسولين في انقاص سكر الدم تكون محدودة.
الانسولين هو هرمون يسبب ارتفاعه زيادة في اختزان الدهون في الجسم، خاصة في منطقة البطن وزيادة الدهون الحشوية الضارة المحيطة بالأعضاء الداخلية كالكبد والطحال والبنكرياس والأمعاء.
هذه الحالة تسمى المتلازمة الاستقلابية (Metabolic syndrome) والتي تترافق بزيادة سكر الدم أو ما يسمى ما قبل السكري، ارتفاع مستوى الكولسترول الضار والشحوم الثلاثية، وارتفاع ضغط الدم والسمنة البطنية.
وتعتبر الحمية الفقيرة بالكربوهيدرات مع ممارسة التمارين الرياضية أهم الطرق لانقاص الانسولين والتخلص من هذه الدهون، والوقاية من السكري من النمط الثاني وأمراض القلب.
المؤشر الغلايسيمي ( Glycemic Index )
هو نظام لتصنيف الأطعمة الحاوية على الكربوهيدرات، يقيس قدرة الكربوهيدرات الموجودة في الغذاء على رفع مستوى سكر الدم بعد الوجبة على مقياس من صفر وحتى المئة، حيث 100 هو مؤشرالغلوكوز.
ان الأطعمة الحاوية على الكربوهيدرات والتي تمتص وتطلق الغلوكوزفي الدم بشكل سريع لديها مؤشر جلايسيمي مرتفع، اما الكربوهيدرات التي تمتص الغلوكوز ببطء وتطلقه في الدم بشكل تدريجي فلديها مؤشر غلايسيمي منخفض.
تقسم الأطعمة حسب المؤشر الجلايسيمي لها الى
١- أطعمة ذات مؤشر غلايسيمي منخفض: كالبقول والألبان وأغلب الخضار
٢- أطعمة ذات مؤشر غلايسيمي متوسط: كالحبوب الكاملة وأغلب أنواع الفاكهة
٣- أطعمة ذات مؤشر غلايسيمي مرتفع: كالسكر والخبز الأبيض والعسل والذرة والكورن فليكس والحلويات بأنواعها.
يمتلك كل غذاء مؤشر غلايسيمي خاص به، وهذا الرقم يعبر عن قدرة هذا الغذاء على رفع سكر الدم بعد الوجبة وبالتالي رفع معدل الانسولين. كما أن وجود الألياف الغذائية والبروتين والدهون في الأطعمة يخفض من المؤشر الغلايسمي لها.
ان المؤشر الغلايسيمي لا يعبر عن مقدار السعرات الحرارية الموجودة في الأطعمة، فمثلاً البذور والمكسرات ذات مؤشر منخفض رغم غناها بالسعرات الحرارية. كما أنه ليست كل الأطعمة ذات المؤشر الغلايسيمي ضارة، فالبطيخ مثلا غني بالفيتامينات والمعادن وفقير بالوحدات الحرارية، لكنه ذو مؤشر غلايسيمي مرتفع.
أن كثيرا من الأطعمة الفقيرة بالفيتامينات والمعادن ذات مؤشر غلايسيمي مرتفع كالمعجنات والحلويات. والتي بالاضافة لتسببها بارتفاع الانسولين والسمنة، فانه ينتج عن احتراقها كمية كبيرة من الجذور الحرة المؤكسدة والتي تحتاج الى كميات كبيرة من مضادات الأكسدة لتعديل تأثيرها الضار المسبب لأمراض القلب والشرايين وأمراض السرطان.
أظهرت نتائج دراسات عديدة أن اتباع نظام غذائي منخفض المؤشر الجلايسيمي يقي ويعالج المقاومة للأنسولين، وبالتالي يساعد على انقاص الوزن، وينقص من نسبة الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والشرايين.
وخلاصة القول:
عند اتباع أي حمية أو نظام غذائي يهدف لانقاص الوزن أو المحافظة على مستوى السكر في الدم، فإنه يجب التركيز على نوعية الأطعمة المتناولة ومؤشرها الغلايسيمي ومحتواها من الألياف والفيتامينات والمعادن، وليس فقط على كمية السعرات الحرارية المتناولة.