د.منى كيال

أخصائيــة في التشــخيـص
المخبـري والمايكروبيولوجي

نحو صحة وشباب وحيوية لا تعرف عمراً

عصر ما بعد المضادات الحيوية- الخطر المحدق

عصر ما بعد المضادات الحيوية- الخطر المحدق!

 باتت المقاومة للمضادات الحيوية اليوم مشكلة كبيرة تهدد الجنس البشري، وهي مشكلة لا تقل خطورة عن الاحتباس الحراري وجائحة الكوفيد-١٩. فقد زاد انتشار الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية حتى بات علاج الالتهاب الرئوي والسل وانتان الدم أصعب من قبل نتيجة تدني نجاعة  هذه المضادات. فهل اقترب اليوم الذي سيصبح فيه العلاج بهذا النوع من الأدوية جزء من الماضي؟!

كان لاختراع البنسلين كأول مضاد حيوي دوراً محورياً في تغيير مسار مهنة الطب ونقص معدل الوفيات الناتج عن الاصابة  بالأمراض الانتانية الفتاكة والتي انقرض الكثير منها. ولا يمكننا اليوم أن نتخيل إمكانية اجراء العمليات الجراحية والاجراءات التنظيرية الحديثة وعلاج مختلف الانتانات الخطيرة التي تسببها الجراثيم بدون استخدام المضادات الحيوية.  

و رغم أهميتها في علاج الكثير من الأمراض، إلا أن استخدام هذه الأدوية على نطاق واسع هو سلاح ذو حدين. حيث أن الاستعمال العشوائي يسبب مقاومة الجراثيم لها، إضافة إلى تأثيرها السلبي على الجراثيم المعوية الضرورية للصحة والتي يختل توازنها بعد الاستعمال المتكرر للمضادات الحيوية . 

مشكلة المقاومة للمضادات الحيوية 

تمتلك الكثير من الجراثيم القدرة على التكيف مع الوسط الذي تعيش فيه بإفراز أنزيمات تبطل عمل المضاد الحيوي،  كما يطور بعضها طفرات وراثية تساعدها في تطوير مناعة لهذه الأدوية كوسيلة للبقاء. 

غدا الاستعمال العشوائي للمضادات الحيوية مشكلة عالمية. وتتعمق هذه المشكلة بشكل خاص في دول العالم الثالث نتيجة لتناول هذه الأدوية دون ضرورة أو عدم تناول الدواء بالطريقة الصحيحة، و الأسوأ هو شراءها من دون وصفة طبية والذي له نتائج كارثية. هذا عدا عن الاستعمال العشوائي لهذه الأدوية عند مربي المواشي وتناول الناس للحوم الملوثة ببقايا هذه المضادات الحيوية.

انتانات المشافي 

قد يظن البعض أن المشفى هو المكان الأكثر أماناً لتلقي أفضل الخدمات الطبية، ولكن المكوث بالمشفى لفترة طويلة قد تعرض المريض لخطورة الاصابة بانتانات خطيرة  بسبب جراثيم المشافي المقاومة لأحدث المضادات الحيوية واسعة الطيف. 

كاستشارية في العلاج بالمضادات الحيوية ومسؤولة في برنامج ضبط العدوى في المشفى الجامعي الذي أعمل به، يستشيرني يومياً عدد من أطباء المشفى عن أسلوب الاختيار الأمثل للمضادات الحيوية المناسبة لعلاج المرضى. حيث أن استخدام مثل هذه الأدوية يجب أن يخضع لشروط صارمة. ويلعب أخصائيو الأمراض الجرثومية في الدول المتقدمة دور الشرطي الذي يقنن استخدام المضادات الحيوية واسعة الطيف، والتي يجب أن تترك لعلاج الجراثيم المقاومة فقط.

برامج منظمة الصحة العالمية 

أقرت منظمة الصحة العالمية في عام  2015 خطة عمل عالمية بشأن مقاومة المضادات الحيوية، وهي خطة هدفها ضمان الوقاية من الأمراض المعدية وعلاجها بأدوية مأمونة وناجعة. وتواصل المنظمة ادارة حملة عالمية  تحت شعار “المضادات الحيوية: تعاملوا معها بحرص”، التي بدأت أثناء إقامة الأسبوع العالمي الأول للتوعية بالمضادات الحيوية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.

 

نزلات البرد لا تتطلب المعالجة بالمضادات الحيوية!

يظن الكثيرون أن المضادات الحيوية هي دواء خارق يعالج  نزلات البرد وارتفاع الحرارة وآلام الحلق. علماً أن هذه الأعراض تسببها الأمراض الفيروسية غالباً، ومن المعروف أن المضادات الحيوية لا تؤثر إطلاقاً على الفيروسات، بل تشفى هذه الأمراض عادة تلقائياً بدون معالجة.  كما أن هذه الأدوية تقتل الجراثيم المعوية المفيدة وتؤهب لتكاثر الجراثيم الضارة المسببة لإنتانات الأمعاء، هذا عدا عن تسببها في ظهور الجراثيم المقاومة.

نصائح عند تناول المضادات الحيوية

لا تتناول المضادات الحيوية إلا عند الضرورة وبعد استشارة الطبيب، مع التقيد التام بالجرعة الدوائية وطريقة الاستخدام وطول مدة المعالجة.  إن عدم التزام المرضى بالجرعة الموصوفة، أو التوقف عن تناول الدواء عند تحسن صحتهم يمكن أن يسبب  بقاء بعض الجراثيم التي تطور مقاومة لهذا الدواء.

كما يجب على الأطباء ترشيد استخدام هذه الأدوية وعدم وصفها إلا عند الضرورة، وبعد اجراء فحص الزرع والتحسس للجرثوم لاختيار المضاد الحيوي المناسب.  حيث أن وصف المضادات الحيوية واسعة الطيف بلا داعي، يؤثر بشكل كبير في تطوير مقاومة الجراثيم لهذه الأدوية.

إذا لم نعجّل اليوم في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد من تفاقم هذه المشكلة، فإننا مقدمون على عصر ما بعد المضادات الحيوية،  الذي ستصبح فيه الجراثيم الممرضة مقاومة لكل أنواع  هذه المضادات، وبالتالي تغدو الكثير من الأمراض الجرثومية الشائعة قاتلة كما كانت قبل اكتشاف المضادات الحيوية.

هذا العصر ربما قد أصبح قاب قوسين أو أدنى!

د. منى كيال: أخصائية في تشخيص الأمراض الجرثومية – استشارية العلاج بالمضادات الحيوية – المشفى الجامعي – براغ

المراجع: 

https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/antibiotic-resistance

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6188119/

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4378521/

https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S1876034116301277

ضع تعليقك هنا